علـم التربيـة وأســســـــــه الفصل 2
الفصــــل الثاني
الأسس التربوية:
أولاً- طبيعة التربية
ثانياً- حتمية التربية
ثالثاً- استخدامات التربية
1- الاستخدام الاصطلاحي
أ- المدرسة الواقعية
ب- المدرية الطبيعية
ت- المدرسة المثالية
ث- المدرسة العملية
2- الاستخدام الوصفي
3- الاستخدام الاجتماعي
4- الاستخدام القاصر
5- استخدام الخبرة كمعنى للتربية
6- الاستخدام الأكثر شيوعاً
أ- انتقال التربية من الأسرة إلى المؤسسات الاجتماعية الأخرى
ب- انتقال التربية من الصفوة إلى جميع مؤسسات المجتمع.
ت- انتقال التربية من المعنى القاصر إلى المعنى الشامل
رابعاً-أنواع التربيةأ- التربية المنهجية
• -مفهوم التربية المنجية
ب- أنواع التربية المنهجيةi. التربية النظامية العامة
ii. التربية النظامية
iii. التربية النظامية المهنية
iv. التربية النظامية المستمرة
ج – أهمية التربية المنهجية
2- التربية ألا منهجية
3- التربية الذاتية
الفصــــل الثاني
الأسس التربوية:أولاً- طبيعة التربية: لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدون إشباع حاجاته الأولية من مأكل ومشرب ومأوى، لأنه مفطور على حب البقاء، فيتجنب الظواهر التي يعتقد أنها ضارة ويتقرب من الأشياء التي تجلب له السعادة. وبحكم فطرته حاول الإنسان منذ وجوده على الأرض أن يحافظ على جنسه، وقد وهبه الله الغرائز التي تمكنه من العيش إلى ما شاء الله، ثم وهب العقل والقدرة على التمييز بين الأشياء النافعة والضارة، واستطاع بما وهب من قدرات أن يحافظ على حياته، ثم نقل ما تعلمه عن طريق المحاولة والخطأ، والاضطرار إلى أبناءه، وأصبحت التربية الوسيلة الوحيدة التي تعلم الإنسان بواسطتها أنواع الثمار الصالحة للأكل، وأنواع اللحوم، وكيفية تجنب مخاطر الحيوانات المفترسة، والكوارث الطبيعية، ووقاية جسمه من التغييرات المناخية، والالتجاء إلى مأوى يقيه من الأمطار الغزيرة، والبرق، والرعد، واضطرته عداوة الإنسان للإنسان من تكوين قبيلة نحميه من الأعداء.
فالمصادفة أو الحاجة أو الاضطرار علم القبيلة معنى الاستقرار الذي قادها إلى الزراعة وتربية الماشية. وعندما كثر أفرادها وأعدائها اضطرتها الحاجة إلى وضع قوانين أو إعادة ترتيب صفوفها، وخلال تركم الخبرة الإنسانية عبر التاريخ وصلت التربية إلى هذا التطور الذي نلمس ثمرته في وقتنا الحاضر.
ما سبق قواه عن طبيعة التربية ما هو إلا يصور كاتب، والبحث هنا ليس عن تصورات فردية وإنما عن طبيعة التربية، ولمعرفة هذا الموضوع معرفة علمية موضوعية يجب علينا أن نبدأ أولاً باستقصاء وظيفة التربية عبر عصورها التاريخية حتى نستطيع استنباط طبيعتها من واقعها التطبيقي.
ثانياً- حتمية التربية للإنسان: الحيوان يستطيع بعد ولادته الاعتماد على نفسه في البقاء، بينما الإنسان يهلك إذا لم يجد من يتعهده، فهو بحاجة لأم ترضعه، وأب يحميه، وأخوة يلاعنهم، وفي حاجة لاكتساب مهارات ثقافية تؤهله للعيش في مجتمعه، وهناك عناصر تغرس فيه منذ نعومة أظافره، وأخرى يتحصل عليها عن طريق التعليم، والبعض الآخر بالمحاولة والخطأ، والبعض من خلال تفاعله في المجتمع.
ويكتسب الإنسان ثقافته عن طريق التربية، وتحدث العملية التربوية نتيجة لمشاركة الأطفال مع الكبار، فيتعلمون ممن يكبرهم سناً، ويتعلمون من البيئة، فالبدوي تعلمه الطبيعة كيفية الحياة في الصحراء، وهناك التعلم بالموعظة والقدوة والخبرة.
فالتربية مما سبق تتم في الأسرة، والمدرسة، والطبيعة، والندية، والمسجد، ومن خلال وسائل الإعلام، ومع العداء والأصدقاء (1).
التربية بتلك المفاهيم هي إعداد الفرد بكل وسيلة مادية وروحية تمكنه من الاستفادة القصوى من كل ما وهنه الله له من قدرات وميول ليحيا حياة سعيدة تتوافق مع أسس مجتمعه، وتشمل جوانب الإنسان الجسمية، والعقلية، والخلقية، والاجتماعية، والوجدانية، والجمالية، والوطنية...الخ.
وتتطلب التربية من المعلمين أن يكونوا معلمون ومربون بحيث يتمكنوا من تربية النشء تربية كاملة تغطي جوانب الفرد المادية والمعنوية، وأن لا يقتصروا على عملية التعليم والتي لا تتعدى طلب العلم لذاته، بل عليهم أن يربطوا العلم بالعمل، والمدرسة بالمجتمع (2).
ثالثاً- استخدامات التربية: سبق القول أن التربية هي الوسيلة التي تنتقل بواسطتها ثقافة المجتمع، وتتم في كل المؤسسات الاجتماعية، وقد استخدم مصطلح "التربية" التربويون وغيرهم، فظهرت تعاريف متعددة ومتعارضة، مما أدى إلى نشوء مشكلات تربوية بسبب سوء استخدام التربية ومن تلك الاستخدامات ما يلي:
1
- الاستخدام الاصطلاحي: ويعرف على أنه ما أتفق عليه العلماء كل في مجال حقله على أنه يعني التربية، دون النظر في التعاريف الأخرى(3).
وقد تناول أحمد عبد الرحمن عيسى الاستخدامات الاصطلاحية من جانبها الفلسفي المتمثل في المدارس الآتية:
أ - المدرسة الواقعية:يرى الواقعيون أن المدرسة جزء من المجتمع، وأن ما يدرس فيها يجب أن يكون له علاقة مباشرة بحياة الطلاب، ويؤدي إلى الاستفادة القصوى من ميولهم وقدراتهم، حتى ينعموا بحياة سعيدة، أما التربية التقليدية التي تعتبر الطالب مستودع معلومات وعليه أن يدرس العلم لذات العلم دون ربطه بالمجتمع، فتعتبر في نظر الواقعيون تربية غير صحيحة.
ب- المدرسة الطبيعية:
وأعتقد الطبيعيون أن طبيعة الطفل خيرة، وعلى المربين أن يراعوا النمو الطبيعي للطفل، وأن يترك لذاته كي يصحح سلوكه وفقاً لطبيعته الخيرة، وصاحب تلك الرؤية هو جان جاك روسو الذي قرر في كتابه إميل ما يلي: "أن كل ما يخرج من يدي خالق الأشياء حسن وخير، وكل شيء يفسد بين يدي الإنسان".
ج- المدرسة المثالية: يعتقد المثاليون أن غاية التربية هي السمو الأخلاقي يقول يوحنا هربرت : "الغاية من التربية هي الأخلاق والوصول إلى الفضيلة، أما الطريق إليها فيكون بالتعليم والتوجيه والنظام". وترجع المثالية في أصلها إلى أفلاطون الذي أعتبر أن الفضيلة هي القيمة العليا.
د- المدرسة العملية: العمليون هم من يدعون إلى التجريب ويثيرون فكر الطلاب للتفكير، ويعزى هذا الاستخدام إلى جون ديوي الذي أوصى بطريقة المشروع لمعرفة الظاهرة التربوية وخطواتها: الشعور بالمشكلة، تحديدها، جمع المعلومات عنها، افتراض الفرضيات، اختبار الفرضيات، ثم الوصول إلى نتائج (4).
2
- الاستخدام الوصفي: يصف كلمة تربية في أماكن استخدامها، ومن أمثلة هذا الاستخدام، التعاريف الموجودة في القواميس اللغوية والتي تفسر التربية من خلال موقعها في سياق الفكرة (5).
3
- الاستخدام الاجتماعي: يؤكد على عملية التطبيع الاجتماعي، فقد عرف علماء الاجتماع التربية بأنها تكيف الفرد مع مجتمعة، ولكنهم لم يتناولوا نوعية التطبيع والتي ربما تكون سالبة أو موجبة, ومن عيوب هذا الاستخدام أنه توجد تربية بمعزل عن المجتمع كما حدث في المجتمعات البدائية التي نمت فيها التربية عن طريق تقليد البن لأباه والبنت لأمها, وتوجد أيضاً تربية ذاتية بمعنى أن الإنسان يتعلم بنفسه دون المجتمع (6).
4-
الاستخدام القاصر للتربية: يهتم بالمؤسسات التعليمية التي تقيم تربية الفرد بالشهادات التي تحصل عليها أكاديمياً, وبمعنى لآخر أن ما يجري في المدارس بشكل عام يسمى "تربية" كسماعك لشخص ما يقول: أنا تركت عملي لأواصل تربيتي، ويقصد بها تعليمه (7).
5
- استخدام الخبرة كمعنى للتربية:يقصد بهذا الاستخدام أن التربية ربما تعني التعليم المدرسي أو لا تعنيه كسماعك لقائل يقول: التربية التي تحصلت عليها ليست من المدارس، ولم أتحصل عليها من اجتماعي بالآخرين. ويعتبر هذا الاستعمال خاص بما أنجزه الإنسان من خلال الخبرة (
.
6- الاستخدام الأكثر شيوعاً: يعتقد أرباب هذا الاستخدام أن العملية التربوية بشكل عام تؤدي إلى نمو الإنسان من جميع الجوانب الأخلاقية والمعرفية والنفسية والعقائدية، وتعمل أيضاً على تهذيب وتشكيل سلوك الإنسان ليتلاءم مع ثقافة مجتمعه (9).
الأسباب التي أدت إلى ظهور الاستخدام الأكثر شيوعاً هي:
أ- انتقال التربية من الأسرة إلى المؤسسات الاجتماعية الأخرى:
كانت الأسرة تقوم بجميع مظاهر التربية، وحينما ظهر الدين عجزت الأسرة عن تفسير ما به من غموض فأوكلت بالمعرفة الدينية إلى علماء الدين، فانتقلت وظيفة الأسرة الدينية إلى المؤسسات الدينية، وعندما تعقدت الثقافة كان لا بد من وجود مؤسسة تعليمية تعنى بنقل وتطوير وتنقية عناصرها، لذلك وجدت المدرسة كمؤسسة تهتم بهذا الجانب، فانفصلت الوظيفة التعليمية عن الأسرة، وظهرت أيضاً مؤسسات متعددة أخذت على عاتقها تولي أكثر مهام الأسرة، فانتقلت مثلاً الحماية من الأسرة إلى الشرطة، وتتابعت الوظائف بالانفصال عن الأسرة وكانت توضع لكل مؤسسة خطط معينة حتى يسهل تنظيمها، فأصبحت التربية عملية مخطط لها تقوم بها مؤسسات المجتمع كل في مجال تخصصه.
ب_ انتقال التربية من الصفوة إلى جميع أبناء المجتمع:
حدثت عملية الانتقال بعد ظهور الديمقراطية التي تزامنت مع توصيات المنظمات الدولية التي أكدت على مجانية التعليم لكافة أفراد المجتمع الإنساني بغض النظر عن الجنس والطبقة أو العقيدة، فأصبحت التربية واجب وطني يؤدي إلى الانتماء والتماسك الاجتماعي.
ج- انتقال التربية من المعنى القاصر إلى المعنى الشامل:
كان محور التربية القديمة نقل المعلومات لهدف تنمية القدرات العقلية، وكان على الطلاب حفظ تلك المعلومات سواء وافقت واقعهم أم لا توافقه، مما جعلها تقصر التربية على التعليم، أما التربية الحديثة فاهتمت من جميع جوانب نموه الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية...الخ. (10).
فالمفهوم الشامل للتربية يرى أنها العملية التي تكسب الفرد المهارات والقيم والاتجاهات، وتبسط عملية التعامل مع البيئة الاجتماعية والمادية والروحية لأفراد المجتمع بما يتفق وأسسهم التي ارتضوها لبناء مجتمعهم.
رابعاً- أنواع التربية: يتعرض الإنسان أثناء التنشئة الاجتماعية لأنواع متعددة من التربية وهي: تربية منهجية، وتربية لا منهجية، وتربية ذاتية.
1- التربية المنهجية
أ- مفهوم التربية المنهجية:
التربية المنهجية هي التربية المخطط لها والتي وضعت لتتناسب مع قدرات الأطفال العقلية بطريقة متدرجة تتفق ومراحل نموهم المختلفة، وتتجلى هذه التربية في المؤسسات التعليمية حيث أن لكل مرحلة تعليمية منهج دراسي يتناسب مع نمو طلابها العقلي والجسمي والانفعالي والاجتماعي ويراعى فيه مبادئ المجتمع ويمكن ضبطها وفق خطة وأهداف مدروسة، وقد اهتمت الدول بهذا النوع من التربية لفائدته المباشرة في تنمية الموارد البشرية وفقاً لثقافة المجتمع وبطريقة واضحة الأهداف لا تتأثر بميول وأهواء المربين الشخصية (11).
وتحدث التربية المنهجية في المدارس التي تعلم مناهج معدة مسبقاً، كما تحدث أيضاً عندما يوجه الوالد ولده نحو سلوك متعارف عليه اجتماعياً، أو حينما يذهب الدارس في إحدى الرحلات العلمية لاكتساب خبرات جديدة (12).
ب- أنواع التربية المنهجية:
التربية المنهجية تتم في المدرسة، الأسرة، العمل، وأماكن العبادة، وتتعامل مع العاديين وذوي القدرات الخاصة، لذلك يمكن تصنيفها إلى الأنماط التالية:
•
التربية النظامية العامة: وهي تزود أفراد الثقافة بالمفاهيم المشتركة التي تؤدي إلى التماسك الاجتماعي والانتماء الوطني، وتوجه ميولهم نحو الأدوار الاجتماعية التي تتناسب وقدراتهم، وكثيراً ما يطلق على هذا الصنف "التعليم العام" الذي يشمل مراحل الدراسة الابتدائية، المتوسطة، والثانوية، ففي تلك المراحل تعطى التربية بطريقة مخطط لها تتفق مع قدرات التلاميذ العمرية والعقلية.
• التربية النظامية المهنية: وهي تزود الأفراد بالمهن المتوافقة مع ميولهم وقدراتهم العقلية، فهناك مهن دنيا تعطي لمن قدراتهم العقلية لا تتجاوز المرحلة الابتدائية، ومهن متوسطة لمن توقفت قدراتهم العقلية عند المرحلة المتوسطة، ومهن ما فوق المتوسطة لمن أنهوا المرحلة الثانوية، أما المهن العليا فتتفاوت حسب الدرجات العلمية.
• التربية النظامية الخاصة: ويقصد بها التربية المخطط لها والتي تعطى لذوي الاحتياجات الخاصة مثل المعوقون، الموهوبون، المتخلفون، والعاجزون عن التعلم، فيوضع لكل فئة برامج تربوية تتناسب مع قدراتهم الخاصة.
• التربية المستمرة: ويهتم هذا النوع من التربية بإعادة تأهيل الكبار بما يتوافق والمستجدات الحديثة، كما يعنى بمحو الأمية، ويهتم بصفة عامة بمتابعة التغيرات في جميع المجالات وتبني الصالح منها، وهو يعرف بالتعليم من المهد إلى اللحد (13).
ج
- أهمية التربية المنهجية: للأسرة دور هام في التربية المنهجية بما توليه من حث الابن على حل الواجبات وتبسيط بعض الصعوبات المنهجية، إضافة إلى غرس القيم الإسلامية والعادات والتقاليد الاجتماعية عن طريق تعليمه وتشجيعه للصلاة وتعريفه الحلال من الحرام وتدريبه على الأخلاق الاجتماعية، حيث أن هدف الأسرة يجب أن يتطابق مع هدف المدرسة الذي يتركز في اختيار عناصر الثقافة وتنقيتها من المتغيرات بحيث تتوافق مع المبادئ الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، حتى يمكن تنشئة الأفراد وفقاً لتراثهم الاجتماعي (14).
2-
التربية ألا منهجية:كل نشاط تربوي يتم وفق مناهج مخطط لها تعطى للطلاب حسب قدراتهم العقلية بهدف تعديل سلوكهم ليتفق وثقافة مجتمعهم يطلق عليه التربية المنهجية "المقصودة" ومع ذلك قد يتعلم الإنسان بطرق غير مقصودة، فيقلد الطالب سلوك معلمه لا شعورياً، وقد تتكون لذا المتعلم ميولاً سالبة أو موجبة نحو بعض أنواع المعرفة، فقد يكره الطالب الرياضيات لأنه لا يحبذ معلمها.
وأطلق جون ديوي على هذا النوع من التعلم "التعلم المصاحب" لأن الطالب قد يتعلم أثناء شرح المعلم أشياء لم يتطرق لها المعلم، والمثال على ذلك أن أحد مدرسي الأحياء وضح لطلابه تطبيقياً أن الكحول يذيب المواد العضوية وذلك بأن وضع بعض الديدان في الكحول فذابت، فأستنتج أحد الطلاب من التجربة السابقة أن من كان في أمعاءه دوداً تمكن التخلص منه بشرب الكحول. وذهب علماء علم الاجتماع التربوي إلى تسمية التعليم المصاحب "بالمنهج الخفي" أي المنهج الذي لا يعطي بطريقة مباشرة بل يمكن استنباطه لا شعورياً (15).
والتربية ألا منهجية لا تخلو من القصد أو النية، فيتعلم الابن لا شعورياً مهنة والده، فأبن المزارع يشاهد أباه وهو يحرث ويبذر ويسمد ويزيل الأعشاب الضارة، ويلاحظ أن الحيوانات في المزرعة لها حظيرة منعزلة حتى لا تفسد ثمار المزرعة، وقد يقترب من بعض الحيوانات غير الأليفة فيسارع أباه إلى تنبيهه من خطورة الاقتراب منها، فيتعلم الطفل بعض المعلومات عن الزراعة والحيوانات، وعندما يكون الطفل قادراً على مساعدة والده في أعمال المزرعة، فيعلمه أنواع الأعشاب الضارة، وكيفية التخلص منها، ويعلمه أيضاً كيف يجني الثمار، على أن هذا التعليم لا يتم بطرق مخطط لها وليس له بداية ونهاية وأهداف (16).
وقد يتعلم الإنسان من البيئة الجغرافية التي يعيش فيها وعليه أن يتكيف وفقاً لتقلبات مناخها، ولن يكون هناك تكيف إلا إذا استطاع أن يتفاعل مع معطيات بيئته لذلك قيل البدوي يتعلم من الصحراء، وقد يتعلم الإنسان الكثير من المعارف من المسارح ووسائل الإعلام والقنوات الفضائية والسينما...الخ.
فالتربية ألا منهجية "ألا مدرسية" هي كل أنواع الأنشطة التعليمية التي يتعرض لها الإنسان خلال التنشئة الاجتماعية، فالبدائي تعلم عن طريق التقليد، ونقل ما تعلمه إلى أبناءه بطريقة مباشرة وغير مقصودة أي من خلال التطبيق العلمي والمحاكاة، فتعلم الصغار المهن والشعائر الدينية بالتقليد المباشر للكبار (17).
وتتم التربية ألا منهجية بشكل آلي لا إرادي عن طريق المحاكاة الاجتماعية والطبيعية، فالطفل يقلد الكبار في كيفية التمسك بالعادات الحسنة، واجتناب العادات السيئة.
ففي بعض المجتمعات يأكل الأفراد الضفادع، والنمل والثعابين لأنهم وجدوا آبائهم يأكلوها فتعلموا منهم أن لحومها شيء طبيعي، وفي المقابل نحن لم نتعلم أكلها لذا نعتقد أن أكلها شيء غريب، ونحن لا نأكل الخنزير لأن الله حرم علينا أكله فأصبحت نفوسنا تتقزز من رؤية لحمه.
والإنسان يتعلم من الطبيعة فالبدوي يتعلم منها كيفية العيش في الصحراء وهناك غريزة حب البقاء تعلمنا كيفية تجنب المخاطر وتقربنا مما يتفق وطبيعتنا، فالمجتمع والطبيعة والغرائز والعقيدة تعلمنا بطريقة عفوية كيف نتكيف وفق قوانين اجتماعية معينة أو وفق بيئة جغرافية محددة فيحصل عند التعلم تعديل لسلوكنا.
3- التربية الذاتية:
يتم التعليم الذاتي عن طريق الممارسة واختبار الأشياء، ومعنى هذا أن الإنسان من خلال تعامله مع البيئة المحيطة به يتعلم أن شيء أفضل من آخر، كما يتعلم الطفل أن النار تحرق إذا قرب يده منها فأحرقتها، وهذا النوع من التعليم لا يقتصر على ميدان الحياة أو المنزل أو نواحي النشاط الاجتماعي بل يتعداها إلى المدرسة والعمل وينطبق هذا على النواحي الخلقية البحتة كما ينطبق على النواحي الدراسية وإعداد الدرس، ولكي نغرس التعليم الذاتي في نفوس أبناءنا وطلابنا علينا أن نوجد الموقف الذي يجعل الطالب يفكر ذاتياً ويشعر بأن هناك صعوبة يجب عليه التخلص منها، ثم نتركه يتخلص من تلك الصعوبة ذاتياً، ومن عيوب هذا النوع من التربية أنه بطيء لأنه يبنى على المحاولة والخطأ إلا أن نتائجه حسنة.